بيئة العمل في ظل الفلسفة الرواقية

الفلسفة الرواقية

يجلس الراهب البوذي فوق التلال الخضراء الهادئة أو في معبد جميل على جرف صخري بعيدًا عن ضجيج الناس، والتعامل مع مفارقاتهم اليومية. 

أما الرواقية فهي نقيض هذه الفكرة. لأن الرواقي البائع في السوق، والتاجر في رحلة، والجندي في مقدمة الجيش، والمعلم في المدرسة، والموظف في مؤسسة. بعبارة أخرى، هو شخص يشبهك تمامًا. 

قد لا تبدو الفلسفة متلائمة مع هذه الوظائف، لكنها في الرواقية تبدو كذلك. إذ كانت الرواقية أداة للناس العاديين والنخبة على حد سواء لآلاف السنين التي مضت، لأنها فلسفة مصممة للعمل، وللناس الفاعلين، وليس للخطب والمواعظ.

ويمكن القول أن الفلسفة للعقل مثل نظام التشغيل للحاسبات، لكن كيف يمكننا جني فوائد نظام التشغيل هذا في مكان العمل؟

فيما يلي استراتيجيات رواقية، ستساعدك في مكان عملك بوضوح وفعالية:

لا تجعل الأشياء أصعب مما هي عليه

«إذا سألك أحدهم عن كيفية كتابة اسمك، فهل ستصرخ كل حرف؟ وإذا غضب منك، فهل ستغضب منه؟ ألا تفضل تهجئة كل حرف بلطف له؟ إذن، تذكر في الحياة أن واجباتك هي مجموع تصرفاتك منفردة. انتبه إلى كل منها أثناء قيامك بواجبك، وأكمل مهمتك بشكل مدروس».

ماركوس أوريليوس، التأملات

إليك سيناريو شائع؛ أنت تؤدي مع زميل عملًا محبطًا أو لديك رئيس صعب المراس. يطلبون منك أن تفعل شيئًا. ولأنك لا تحب الشخص الذي طلب منك المهمة، فإنك قد تعترض على الفور. ثم تتحجج بهذه المشكلة أو تلك، أو تشعر أن طلبهم كان بشكل وقح. 

لماذا لا تخبرهم بذلك؟ فتجيب: لا، لن أفعل ذلك. ثم يأتي دورهم فينتقمون منك من خلال عدم القيام بشيء سبق أن طلبته منهم. وهكذا يتصاعد الصراع.

في هذه الأثناء؛ إذا كان بإمكانك العودة إلى الخلف ورؤية الأمر بموضوعية، فربما ترى أن ليس كل ما يطلبونه غير معقول. في الواقع، بعضًا منه سهل جدًا أو على الأقل مقبول. وإذا قمت بما طلب منك، سيخف الضغط عن كاهلك، وقريبًا؛ ستكون قد أنجزت جميع مهامك.

الحياة صعبة بما فيه الكفاية. فلماذا نصعب الأمور أكثر بالانفعال لأجل الأمور التافهة، أو الخوض في معارك لا نهتم بها في الواقع؟

أمر مستحيل الحدوث من دون موافقتك

«تخلصت اليوم من الظروف التي تسحقني. أو في الحقيقة؛ لقد طردت هذه الظروف، لأنها لم تكن ظروفًا خارجية، إنما هي افتراضاتي الخاصة».

ماركوس أوريليوس، التأملات

في الأيام الصعبة؛ قد نقول «عملي مرهق» أو «مديري محبط حقًا لكن هذا مستحيل. لا يمكن لشخص ما أن يحبطك، ولا يمكن للعمل أن يربكك، فهذه أشياء خارجية، وليس لديها إمكانية الوصول إلى عقلك. إن جميع المشاعر التي تشعر بها، بقدر ما هي حقيقية، فهي تأتي دومًا من الداخل وليس من الخارج.

تستخدم الرواقية كلمة (hypolêpsis – هايبوليبسيس)، والتي تعني تفاعل عقولنا مع التصورات والأفكار والأحكام. الافتراضات عن الأشياء هي ما نولده بإرادتنا في أذهاننا، هذه مسؤوليتنا نحن ولا يمكننا أن نلوم الآخرين على جعلنا نشعر بالتوتر، أو الإحباط.

إطار عقلي مناسب

«ضع إطارًا لأفكارك على هذا النحو: أنت شخص ناضج، ولن تسمح لنفسك في أن تستعبد بعد الآن، ولم تعد تجتذب مثل دمية في كل اتجاه، وستتوقف عن الشكوى مما تملكه حاليًا، أو التخوف من المستقبل».

ماركوس أوريليوس، التأملات.

نحن نستاء من الشخص الذي يحاول أن يوجهنا. لا تخبرني كيف ألبس، كيف أفكر، كيف أقوم بعملي، كيف أعيش. هذا لأننا أشخاص مستقلون ومكتفون ذاتيًا. أو على الأقل هذا ما نقوله لأنفسنا.

ومع ذلك؛ إذا قال شخص ما شيئًا نختلف معه، فإن شيئًا ما بداخلنا يدفعنا للجدال معه. إذا كان هناك طبق من البسكويت أمامنا، فعلينا أن نأكله. إذا فعل شخص ما شيئًا لا نحبه، فعلينا أن نغضب منه. عندما يحدث شيء سيء، فإننا سنكون حزينين، أو مكتئبين، أو قلقين. ولكن؛ إذا حدث شيء جيد بعد بضع دقائق؛ فسنكون فجأة سعداء ومتحمسين ونريد المزيد. وهكذا تتلاعب بنا دوافعنا.

علينا أن نخبر أنفسنا بأننا لن ندع شخصًا آخر يتلاعب بنا أبدًا بنفس الطريقة التي ندع بها دوافعنا تفعل. إننا لسنا دمى يمكن صنعها للرقص بهذه الطريقة أو تلك. يجب أن نسيطر على عواطفنا، لأننا أشخاص مستقلون ومكتفون ذاتيًا.

مهنتك ليست عقوبة مدى الحياة

«ما أشد الإحراج للمحامي الذي تمر أنفاسه المحتضرة أثناء وجوده في المحكمة، وهو في سن متقدمة، يتوسل من أجل المتقاضين غير المعروفين ولا يزال يسعى للحصول على أعتباره من متفرج جاهل».

سينيكا، في قصر الحياة.

كل بضع سنوات؛ يُعرض نمط من المشهد الحزين في الأخبار أو في الدراما. مشهد لمليونير عجوز لا يزال سيد إمبراطوريته التجارية، يُقدم إلى المحكمة. يلجأ المساهمون وأفراد الأسرة إلى المحكمة للقول إنه لم يعد مؤهلاً عقليًا لاتخاذ القرارات، وأن هذا العجوز غير لائق لإدارة شركته الخاصة، وشؤونها القانونية. السبب في ذلك أن هذا الشخص الذي كان قويًا يومًا ما، رفض التخلي عن السيطرة، أو تطوير خطة لاختيار وريث. ونتيجة لذلك؛ ها هو ذا يتعرض لواحدة من أسوأ مواقف الإذلال في الحياة: الكشف العلني عن نقاط ضعفه الخاصة.

يجب ألا ننغمس في مكانتنا الحالية لدرجة أن نعتقد أننا سنشيخ معها إلى نهاية الحياة. فمن يريد أن يكون الشخص الذي يبقى يراوح في مكانه إلى الأبد؟ هل انعدمت فرص النمو في حياتك لدرجة أن سعيك الوحيد هو عملك الحالي إلى أن يتم وضعك في النعش في النهاية؟ أفتخر بعملك. ولكن إبحث في مسيرتك عن الشخص المناسب لتدريبه وتشذيب قدراته لتفويضه بعملك في النهاية وتطلع دائمًا إلى تقدم يبقي روحك متجددة، فالعمر قصير وتجارب الحياة كثيرة، وأنت لا تريد أن يفوتك الكثير!

الوظيفة المتعبة التي تضغط عليك، العلاقة التي تثقل كاهلك أو معيشتك تحت ضغط المسؤوليات بشكل دائم. 

يمكن لأدمغتنا التعامل مع الكثير لكنها ستصبح مرهقة، ألا يجب عليك الاحتفاظ بكل هذه الطاقة لمواقف مهمة بأهمية الحياة أو الموت؟

لذلك؛ استخدم الرواقية للتعامل مع هذه الصعوبات. ولا تنس أن تسأل: هل هذه هي المصاعب التي أريد أن أبذل من أجلها  كل طاقاتي الثمينة؟ وتذكر، هنالك دائمًا طريقة أخرى لرؤية الأشياء.

اخبار الأكثر شيوعًا المشاريع الخيرية بيئة العمل تكنولوجيا
أبريل ۲۵، ۲۰۲۱
Share

بحث عن مقالة

أحدث المقالات

أسرع خدمة إنترنت في العراق تنطلق في النجف الأشرف

احتفلت كواد...

اقرأ المزيد

المشروع الوطني للإنترنت يطلق أول خدمة إنترنت عبر الكابل الضوئي في السماوة

أ...

اقرأ المزيد

جائزة مزود الإنترنت وحلول التكنولوجيا الأكثر ابتكارًا في العراق من حصة ايرثلنك

حصلت ايرثلن...

اقرأ المزيد

ايرثلنك تحصد جائزة مزود الإنترنت وحلول التكنولوجيا الأكثر ابتكارًا في العراق

منحت ...

اقرأ المزيد

ايرثلنك للاتصالات والإنترنت تتصدر باقي المجهزين وتحصد جائزة الأسرع نموًا

قدمت مجل...

اقرأ المزيد

الأرشيف

المقال السابق

ايرثلنك تطلق حملتها الداعمة لزيادة أعداد النخيل في العراق.. تحت عنوان نخلة ايرثلنك

المقال التالي

ايرثلنك ترعى جلسات برنامج Ramadan Meetup الحوارية للأدب والفن والعِمارة والتكنولوجيا

مقالات ذات صلة

ابق على اطلاع بأخبار ومقالات EarthLink

Welcome to the EarthLink

Please choose which type of user you are, so we can provide you with the best service.

Scroll to top